هذا المقال مقتبس من كتاب ’’الطريق البسيط إلى الثروة‘‘ بقلم جي ال كولينز.
في مرحلة ما من حياتك قد تجد نفسك في معضلة سعيدة تتمثل في إمتلاك مبلغ كبير من المال لإستثماره. ميراث ربّما أو ربّما المال من بيع أصل آخر (كالعقار). مهما كان المصدر، فإن إستثماره دفعة واحدة سيبدو أمراً مخيفاً.
إذا كان السوق في إحدى مراحل الصعود الهائج ويسجل أرقاماً قياسية جديدة كل يوم، فسيبدو سعره مبالغاً فيه إلى حد كبير. أما إذا كان ينخفض، فسوف تكون خائفاً من الإستثمار دون أن تعرف إلى أي مدى سيكون الإنخفاض. أنت تخاطر بإنتظار بعض الوضوح، وكما تعلم، فلن يأتي أبداً.
الحل الأكثر شيوعاً هو شق طريقك ببطء إلى السوق. الفكرة هي أنه في حالة إنخفاض السوق، ستوفّر على نفسك بعض الألم. طريقة العمل هي أن تأخذ أموالك، وتقسّمها إلى أجزاء متساوية، ثم تستثمر تلك الأجزاء في أوقات محددة على مدى فترة طويلة من الزمن.
كمثال، لنفترض أن لديك 120 ألف دولار (أو دينار أو ريال أو درهم الخ) وتود إستثمارها في الأسهم. وبعد أن قرأت حتى الآن، تعلم أن السوق متقلّب ويمكن أن ينخفض في بعض الأحيان بشكل كبير. وأنت تعلم أن هذا قد يحدث في اليوم التالي لإستثمار أموالك، وعلى الرغم من أنه من غير المرجح، سيكون ذلك يوماً بائساً للغاية بالفعل. لذا، بدلاً من الإستثمار مرة واحدة، تقرر إستثمار مبالغ ثابتة من المال على فترات منتظمة، بغض النظر عن السعر، وهذا يزيل هذه المخاطر.
أولاً، عليك تحديد فترة زمنية لتوزيع أموالك خلالها، دعنا نقول الأشهر ال12 القادمة. ثم تقسّم أموالك على 12 وتستثمر كل شهر 10 آلاف دولار. بهذه الطريقة، إذا إنخفض السوق مباشرة بعد إستثمارك الأول، سيكون لديك 11 فترة إستثمار إضافية قد تكون أفضل. يبدو عظيماً، أليس كذلك؟
حسناً، فهو يزيل مخاطر الإستثمار مرة واحدة، ولكن المشكلة هي أنه لا ينجح إلا عندما ينخفض السوق ويظل متوسط تكلفة أسهمك خلال فترة الإستثمار البالغة 12 شهراً أقل من تكلفة الأسهم في اليوم الذي بدأت فيه. أما إذا إرتفع السوق خلال هذه المدة، فسترتفع عليك التكلفة وتقوم بشراء عدد أقل من الأسهم طوال فترة إستثمارك. أنت تبادل مخاطرة واحدة (أن ينخفض السوق بعد الشراء) بمخاطرة أخرى (أن يستمر السوق في الإرتفاع مما يعني أنك ستدفع المزيد مقابل أسهمك). إذن ما هي المخاطرة الأكثر إحتمالاً؟
بالطبع أنت تعلم بالفعل أن السوق يرتفع دائماً، لكنها رحلة جامحة. والشيء الآخر الذي تعرفه هو أنه يرتفع أكثر مما ينخفض. ضع في إعتبارك أنه بين عامي 1970 و2023، إرتفع السوق في 43 من أصل 54 عاماً. هذا هو 80٪ من الوقت. في هذه المرحلة، ربما تكون قد بدأت في معرفة سبب عدم إعجابي بهذه الطريقة، ولكن دعنا نذكر الأسباب على أي حال:
- من خلال الإستثمار ببطء، فإنك تراهن على أن السوق سينخفض، مما يوفّر على نفسك بعض الألم. وفي أي عام، تبلغ إحتمالات حدوث ذلك 20٪ فقط.
- ولكن من المرجح أن يرتفع السوق بنسبة 80% تقريباً، وفي هذه الحالة تكون قد وفّرت على نفسك بعض المكاسب. مع كل جزء جديد مستثمر، ستدفع المزيد مقابل أسهمك.
- عندما تقوم بالإستثمار ببطء، فإنك تقول بشكل أساسي أن السوق مرتفع جداً بحيث لا يمكن الإستثمار فيه مرة واحدة. بمعنى آخر، لقد ضللت طريقك إلى عالم توقيت السوق الغامض والذي، كما ناقشنا، هو لعبة خاسرة.
- عند إختيار الإستثمار ببطء، يجب عليك أيضاً إختيار الأفق الزمني. نظراً لأن السوق يميل إلى الإرتفاع بمرور الوقت، إذا إخترت أفقاً طويلاً، على سبيل المثال أكثر من عام، فإنك تزيد من خطر دفع المزيد مقابل أسهمك أثناء الإستثمار. أما إذا إخترت فترة زمنية أقصر، فإنك تقلل من قيمة الإستثمار ببطء في المقام الأول.
- وأخيراً، بمجرد وصولك إلى نهاية فترة الإستثمار الخاصة بك وإستثمارك بالكامل، فإنك تتعرض لنفس خطر إنخفاض السوق في اليوم التالي للإنتهاء.
فما العمل إذاً؟ إستثمر أموالك بمجرد حصولك عليها حتى تعمل لصالحك لأطول فترة ممكنة.
أما إذا كنت متوتّراً جداً من إتباع هذه النصيحة وفكرة إنخفاض السوق بعد وقت قصير من إستثمار أموالك ستبقيك مستيقظاً في الليل، فقم بالإستثمار ببطء. لن تكون نهاية العالم. ولكن هذا يعني أنك قمت بتعديل إستثمارك ليناسب حالتك النفسية وليس العكس. والإستثمار في هاتين الحالتين أفضل من عدم الإستثمار بالمرة وترك أموالك في البنك.